الشيخ ابراهيم محمد أبو خليل
تعالوا معي إلى رحاب هذا الشيخ الذي قاد ركب الطريقة بعد أبيه ذلكم الشيخ الذي كانت حياته حال وجود والده صفحة مستورة ولولا أن الله سبحانه قد كتب عليه أن يخلف والده في رسالته الدينية لظل كنزا خفيا طوال حياته.
إنه من طراز من الرجال فريد من الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا ، لا تحتاج معرفتك به إلى من يحدثك عنه أو يجيب عن تساؤلاتك بشأنه ، ولكن حاله وحده حين كنت تجلس إليه كان هو المحدث والمجيب ، تسليم وانكسار وخشية عظمى من الحق تبارك وتعالى ,يؤثر الصمت على الكلام إلا إذا تطلب الامر الحديث فيســـرى حديثه العذب يخاطب القلوب ويناجى الأرواح وكأنه النسيم.
العليل، يشفى من النفوس سقامها ويزيل متاعبها وآلامها ، فصمته معبر ومشير، وكلامه كالدر المنظوم، لكل لفظ قيمته ووزنه ينطق في حق، ويقول في صدق ويمزح في جد، وينصح في لين، يوجه الحديث إلى الجميع، ولكل من الحديث ما يجيب له عن تساؤل يضمره أو يفتح له بابا قد ارتج في وجهه أو يرشده إلى مواطن السلامة والنجاة بعد أن أشرفت سفينته على الهلاك.
متواضع في عزة بربه فما تحدث عن نفسه ولا نسب أمرا له ولا تفرد بشيء يميزه عن الجالسين من حوله.
كان يأتي إليه الشارد والبعيد والعاصي والفاسق فتنساب أنواره إلى النفوس تغشاها وإلى القلوب تكشف عنها غشاوتها وتزيل عنها جفوتها فإذا البعيد قريب والشارد موفق ومجيب والعاصي من ذنوبه يتوب والكل قد سار في طريق الهداية والإيمان ومدوا أيديهم يبايعون الشيخ على تقوى من الله ورضوان ويد الله فوق أيديهم.
وهو في صمت الواثق فى ربه وإيمان المتوكل عليه وورع المتصوف الزاهد وتواضع الذين يبلغون أعلى مراتب السمو الروحي ، وفى حكمة المؤمنين وحزمهم وإيمان المتصوفين وعزمهم ، في كل أولئك ، وفى كل من فضائل الصفات وكريم الطباع كان يقود أتباع الطريقة إلى الله سبحانه وتعالى على قدم النبي الإمام الأعظم ، قبلة المتعبدين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين صلوات الله عليه.
كانت بساطته رضى الله عنه أهم عناصر عظمته كما كان قلبه الكبير الذي يمتلئ شفقة ورحمة أهم مميزات أوصافه، وكان ربانيا في كل مشاعره وفى كل ما تحمله نفسه الطيبة من خير للناس أجمعين ، وكان من أولياء الله تعالى الذين تتحول المحن بين أيديهم إلى منح وسعير النيران إلى روضات الجنات، وإذا أردت أن تقف على بعض ما أفاض الله سبحانه وتعالى به على هذا الشيخ من عطايا وحكم عاليات فاقرأ الهاماته الربانية في كتب قيمة تركها رضي الله عنه ذخيرة ايمانية تشع نورا وهداية في قلوب قارئيها وتملؤها خشية وايمانا.
ومن هذه الكتب:
الفتح الأسنى في نظم أسماء الله الحسنى.
والكنز الثمين في الصلاة على سيد المرسلين.
والوسيلة وهى تضرعات وابتهالات إلى الله سبحانه وتعالى.
والشفاعة وهى في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان مولده ومعجزاته وإسرائه وجهاده في سبيل الله لنشر الدعوة الدينية.
وهذه الكتب يقرؤها أتباع الطريقة الخليلية في مجالسهم الدينية الليلية تقربا إلى الله سبحانه وتعالى.
وإلى جانب هذه المأثورات الجليلة ترك هذا الشيخ مأثورات قيمة أخرى يجد فيها المتصوف أو الباحث المستنير حاجة قلبه وغذاء فكره وإشباع ثقافته الروحية فهى حقا مفتاح كنوز الأسرار ومطلع مشارق الأنوار وهى:
الفاتحة ودعاؤها والإخلاص بالدعاء
والحصن الحصين بدعاء يس
والأسرار النافعة بدعاء الواقعة
وسر الفتاح بدعاء سورة الانشراح
والسر المسطور في حروف النور
والرياضة الروحية
والبيان في مولد من خلقه القرآن
والسعادة
وقد بلغت ظاهرة الإلهام التي تميزت بها الطريقة الخليلية أوجها في عصره الزاهر رضى الله عنه ، متعددة المظاهر من ارتجال للشعر إلهاما بلسان عربي مبين في مجالات دينية متنوعة ومن تفسير لآيات الله سبحانه وتعالى بما يملأ القلوب إيمانا ويقينا بالله سبحانه العليم الحكيم.
وقد قضى الشيخ إبراهيم أبو خليل سني حياته المباركة جميعها في هجرة دائمة إلى الله ورسوله يتحرى الشرع في كل فعل وفى كل قول ولا يقبل إلا الطيب منهما ويدعو إليه ، وكثيرا ما كان يحاسب العامل أو الموظف من أتباعه إن ضيع بعض وقت عمله أو وظيفته في غير مجالهما أواستحل لنفسه ورقة بيضاء يأخذها من عهدة عمله ليكتب فيها أمرا لنفسه ويبين أن هذا يخالف الشرع الحكيم ولا يرضى الله سبحانه وتعالى عنه.
حقا إنه الورع الكامل يلقنه الشيخ دروسا لأتباعه ومريديه كما هى الحال في كل أمر من أمور الشريعة الغراء ، يأمر بكل ما تأمر به وينهى عن كل ما تنهى عنه إرضاء لله رب العالمين لا شريك له.
ولما بلغ الكتاب أجله فارق الحياة إلى جوار ربه الكريم فى صباح يوم السبت ١٤ ربيع الثانى ١٣٧٦هـ الموافق ١٧ نوفمبر ١٩٥٦ م. وفى مشهد تحفه السماء ببركاتها شيعت جنازته رضى الله عنه إلى مثواه المبارك فى ضريحه الكائن بالمسجد المسمى بمسجد الشيخ أبو خليل بكفر النحال بالزقازيق ليكون إلى جوار والده الشيخ محمد أبو خليل كما كان فى رعايته الميمونة فى الحياة الدنيا.
ولما استقر جثمانه في مستقره الأخير سارعت الجموع الحاشدة من أتباعه إلى تجديد البيعة على خليفته الشيخ محمود إبراهيم أبو خليل رضى الله عنه وأرضاه.
الشيخ محمود ابراهيم أبو خليل
كان رضى الله عنه كريم الطباع ، كريم الصفات ، كريم العطاء، كريم الخلق، يجود بكل ما تملكه يداه ، وينفق إنفاق من لا يخشى من ذي العرش إقلالا. ولعل سخاء نفسه كان له أثره الواضح في تكوين شخصيته وسعة أفقه وإدراكه وحسن معالجته لمشكلات الأمور فهو ينظر إليها نظرة المحلل ، استعراضا لجميع جوانبها يتلمس من ذلك الحلول اليسيرة الممكنة لها.
كما كان لكريم طباعه وكريم صفاته أثرهما فى انتهاجه سياسة رشيدة فى الدعوة إلى الحق سبحانه وتعالى، توحد ولا تفرق ، وتؤلف ولا تتعصب، تجمع الكل تحت لواء واحد على بساط من التسامح والإخاء مهما اختلفت الاتجاهات وتباينت الآراء.
كما كان لكرم أخلاقه من نبل الصفات وأرفعها ما جعله يدفع السيئة بالحسنة ويعفو عمن أساء ولا يغضب إلا إذا استبيحت حرمات الله، ويدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فى رحابة صدر وسلامة منطق وحديث جذاب مقنع.
إنه بحق يمثل رجل الدين الذى لا يعيش فى محراب عبادته بل ينزل إلى مشاكل الناس يعايشها لعله يخفف آلام مكروب بحكمة دينية يرسلها إليه أو يجيب نداء سائل محروم بما استطاعت يده من جود، فهو يرى أن فى قضاء حوائج الناس ما يرفع العبد إلى ربه، فخير الناس أنفعهم للناس.
ولعل تربية هذا الشيخ الدينية فى بيت تتلى فيه آيات الله والحكمة على يد إمام قدوة فى التصوف هو والده الشيخ إبراهيم محمد أبو خليل قد صاغت فيه نفسا تمتلئ بشحنات من الإيمان الحق منذ شبابه المبكر لتكون قبسا هاديا له فى مفترق الطرق فغدا فى شبابه فى حفظ الله ورعايته لم يمسسه السوء، كما فتحت مغاليق قلبه على تقوى من الله ورضوان لتنطبع نفسه على الشمائل المحمدية الكريمة ليكون قدوة للذين يريدون الله ورسوله والدار الآخرة.
كما عوده والده منذ الصغر أن يواجه مشكلات حياة الأسرة ليعالجها بإدراك سليم وبحكمة وحزم ليكون فى ذلك مران له على مواجهة مشكلات الآخرين من حوله من أبناء الطريقة، يتلمس لها الحلول الناجحة بتوفيق الله وهدايته فتستقيم لهم حياتهم الدينية والدنيوية.
كما كان يرسله والده رضى الله عنه فى أحيان كثيرة إلى المجالس والندوات الدينية التى كان يقيمها أبناء الطريقة فى شتى البلاد نائبا عنه ثم أشرف على شئون الطريقة فى أثناء خلوة والده ذات السنوات السبع فى أخريات حياته رضى الله عنه فقد ملأ الله سبحانه وتعالى صدره حكمة وآتاه رحمة من عنده يمثل بهما والده فى دعوته الدينية.
أجل، كان ذلك هو أسلوب تربية هذا الشيخ الذى توخاه معه والده ليجعل منه مربيا دينيا ومصلحا اجتماعيا ورائدا صوفيا حكيما يهب حياته لإسعاد الآخرين.
ولقد جاهد هذا الشيخ فى نشر دعوة الطريقة الخليلية حتى عمت كل البقاع وكل الأصقاع وكل القرى والنجوع على مستوى الجمهورية فأشرقت الأرض بنور ربها بمجالس الذكر التى يذكر فيها اسم الله كثيرا وتتلى فيها آيات الله والحكمة وكانت جهوده الموفقة رضى الله عنه فى العمل على دعم الطريقة ونشر دعوتها سببا فى أن منحتها مشيخة الطرق الصوفية ( سجادة خليلية ) وهذا فى المفهوم الصوفي لا يكون إلا للطريقة التى ظهر دورها فى الإصلاح الاجتماعي والهدي الديني وأصبح لها كيان مستقل بمناهج صوفية شرعية محددة المعالم.
ولما انتقل رضى الله عنه إلى الدار الآخرة فى يوم الجمعة ٢٩ ربيع الثانى ١٤٠٩ ه. الموافق ٩ ديسمبر ١٩٨٨ م. عن أربعة وسبعين عامًا دفن إلى جوار والده أستاذنا الشيخ "إبراهيم محمد أبو خليل" بمسجد الشيخ أبو خليل رضى الله عنهم أجمعين وكان قد أوصى بأن يكون خليفته من بعده الشيخ محمد أكبر أنجاله وقد أجمع أتباع الطريقة على مبايعته وهو الشيخ الحالى للطريقة الخليلية.
الشيخ محمد محمود ابراهيم أبو خليل
رباه والده على مكارم الأخلاق وجميل الخصال وكريم الطباع وذلك على ذات النسق الذى اتبعه جده الشيخ إبراهيم مع والده فى تربيته الدينية فقد تعهده والده منذ نشأته بأن يلتزم بالمنهج الديني القويم فى حياته الدراسية وأن يختار الصفوة من الطلاب فى صداقته حتى أكمل دراسته الجامعية بجامعة الزقازيق ثم أرشده بعد ذلك إلى حضور مجالس الذكر والندوات الدينية التى كان يقيمها أتباع الطريقة فى مدينة الزقازيق ثم كان يرسله بعد ذلك إلى جهات أخرى مختلفة فى شتى أنحاء الجمهورية نائبا عنه لحضور تلك المجالس والندوات الدينية.
والحق أن الله سبحانه وتعالى قد منحه من مكارم الأخلاق وجميل الخصال وكريم الطباع ما جعله أسوة حسنة للغير فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ويقول أحد أئمة التصوف " من زاد عنك فى خلقه زاد عنك فى تصوفه".
فمكارم الأخلاق إذن هى الثمرة المرجوة من العبادة.وقد صدر قرار المجلس الأعلى للطرق الصوفية رقم 88/5 بتاريخ 20/12/1988 بتعيينه شيخا للسجادة العامة للطريقة الخليلية.
فاللهم كن عونه وراعيه وحافظه وموفقه لما فيه الخير والصلاح فأنت يا رب قريب مجيب.